- التعريف الحقيقي لـ "الترجمة":
يُعرفها البعض بأنها "النقل أو التحويل من لغة إلى أخرى دون الإخلال بالمعنى"، والذي أراه... أن للترجمة تعريفٌ أوسع وأشمل من ذلك بكثير، إذ أنها:
- علمٌ عظيم.
- وذوقٌ رفيع.
- وفنٌ راقٍ.
- علمٌ عظيم حيث لا يكفي للمترجم المعرفة النظرية للمصطلحات وفقط، بل يتحتم عليه الإلمام بثقافة وعادات وتقاليد الشعوب التي تتحدث اللغة المترجم منها وإليها، ولذلك لا يجب أن ننظر إلى مسألة النقل من لغة لأخرى على أنها مهمة سهلة أو يسيرة، إذ أن كل شخص الآن صار بمقدوره فتح القاموس ونقل المعنى منه بكل سهولة.... فهل يصبح بهذا العمل من زمرة المترجمين؟ بكل تأكيد لا، لماذا؟ لأن الترجمة.......... علمٌ ودراسة متأنية.
- وهي ذوقٌ رفيع يعتمد على الإبداع اللا محدود والحس اللغوي المرهف
- وهي أيضاً فنٌ راقٍ يعتمد على الوصول لأهداف كبرى مثل القدرة على تحقيق التواصل بين الشعوب والاستفادة من خبرات بعضهم البعض في كافة مجالات الحياة (السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأدبية، والدينية، والسياحية، والفنية، والعسكرية، والعلمية، والتجارية، والإعلامية، والصناعية، والزراعية و..... و..... و..... إلخ)
- فإذا أردنا أن نُقدّر المترجمين الأكفاء حق قدرهم فلا ينبغي أن نجعلهم في مصاف الأطباء والمهندسين فحسب، بل يجب أن يرقى عمل المترجمين إلى عمل المتخصصين في أعمال البحث العلمي، الذين هم علماء الأمة وعمادها.- ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن الترجمة تُعد ركيزة أساسية في نجاح البحث العلمي في أي دولة، وذلك بسبب الدور الكبير الذي تلعبه لكي تتغلب على التحديات الكبيرة التي تقف حجر عثرة أمام حركة البحث العلمي، بل وتطرح الترجمة آليات يمكن من خلالها سد فجوة نقص المعرفة التي نعاني منها في بعض بلداننا العربية، كما أنها تخلق لنا ينبوعاً من ينابيع العلم الذي يمكن من خلاله إثراء البحث العلمي في كافة مجالاته.
ولذلك يجب أن نقر ونعترف بأنه: لا نهضة بدون ترجمة، ولا ترجمة بدون نهضة.
إذاً...
الترجمة ليست مجرد مهنة.... بل تُعد فناً مستقلاً بذاته، إذ أنها ما برحت تفتح لنا آفاق واسعة من الوعي والفهم والإطلاع على ثقافات الآخرين, وهي أم الفنون الإنسانية التي تعمل على التقريب بين الشعوب، وتدفع عجلة تقدم الإنسانية قُدماً.
الترجمة أمانة... الترجمة رسالة... ولسوف يستمر أصحابها في أداء هذه الرسالة بإخلاص ما بقي للبشر حياة على وجه الأرض.
ولعل هذا هو التعريف الحقيقي للترجمة ... أو بعض ما تستحق أن توصف به.
- أهمية الترجمة للفرد والمجتمع:-
دعونا نتساءل: هل الترجمة تشكل أهمية بالنسبة للفرد أو للمجتمع؟
والإجابة: قطعاً نعم.... فالترجمة تشكل أهمية قصوى للفرد وللمجتمع على حدٍ سواء، إذ أنها السبيل الوحيد الذي يُمكّن الفرد من معرفة ما يدور حوله في جميع أنحاء العالم ..... كيف ذلك؟
- على سبيل المثال وليس الحصر:-
- الشخص الرياضي: سواء كان لاعباً أو مدرباً فهو يحتاج بالتأكيد للترجمة من أجل الإطلاع على خطط واستراتيجيات الفرق الرياضية في الدول المتقدمة.
- الفنان: سواء كان ممثلاً أو مُخرجاً أو مُؤلفاً أو منتجاً لن يستطيع مشاهدة أحدث الأعمال الفنية على مستوى العالم إلا من خلال الترجمة.
وحتى المشاهد العادي... هل يستطيع أن يشاهد فيلم أو مسلسل أجنبي ويستوعب أحداثه بغير ترجمة؟ هذا مُحال.
- الطبيب: هو من لا يستطيع أن يحقق تقدماً في مهنته إلا بعد الإطلاع على أحدث الأبحاث الطبية التي تهتم بمجال تخصصه في الطب، وبلغات متعددة.
- الصيدلي: وهو من يحتاج إلى متابعة التركيبات الجديدة لأحدث الأدوية التي ظهرت في العالم، والأكثر احتياجاً لهذه المتابعة هي شركات الأدوية، والتي تعتبر أن من صميم عملها متابعة كل جديد في مجال الأدوية بمختلف أنواعها على مستوى العالم، كل ذلك لا يتم إلا بالترجمة.
- المهندس: وهو من يحتاج أيضاًَ لمتابعة كل جديد في مجال الهندسة على اختلاف تخصصاتها، وبخاصة هندسة الاتصالات والالكترونيات والتي تتطور في الدول المتقدمة بسرعة مذهلة.
- المحامي والقاضي: يحتاجان- وباستمرار- للإطلاع على أحدث القوانين الأجنبية وتعديلاتها، حتى يتسنى لهما المقارنة بين قوانين الدولة وما يماثلها من قوانين الدول الأخرى.
- الطالب: الطالب الجامعي أيضاً لابد له أن يستعين بالترجمة من أجل مشروع التخرج في السنة النهائية من دراسته الجامعية، أما الطالب الذي يقوم بتحضير رسالة الماجستير أو الدكتوراه فبكل تأكيد سيكون احتياجه للترجمة أكبر.
- المُدرس: أما المُدرس فهو بحاجة إلى الإطلاع على مناهج التعليم في الدول الأخرى، ليكتشف ما ينقصه في المنهج الذي يقوم بتدريسه للطلبة، وليعرف كيف يتم تطوير هذه المناهج.
- الأستاذ الجامعي: وهو يحتاج، وبشكل دائم، إلى معرفة الأبحاث العلمية الأجنبية التي تختص بمادته التي يقوم بتدريسها، بالإضافة إلى معرفة الأساليب الصحيحة التي تتبعها الجامعات المتقدمة ومحاولة تطبيقها.
- التاجر: أما التاجر فكيف يُصدر منتجاته أو يستورد منتجات من الدول الأجنبية بغير ترجمة؟ فبالترجمة ينجح التاجر ويتوسع في تجارته أياً كانت.
- الصانع: إن الصانع الذي يسعى إلى التفرد والتميز في مهنته لابد وأن يطلع على طرق تطوير صنعته في دول أخرى بلغات أخرى. أليس كذلك؟
- الزارع: يحتاج الفلاح إلى الإطلاع الدائم على الأبحاث الزراعية العالمية والتي من شأنها محاربة الآفات والقضاء عليها، والعمل على زيادة إنتاج الفدان الواحد، وحتى لا يكون كلامنا محض عبث فإننا نؤكد على أن خير من يقوم بهذه المهمة هم المهندسون الزراعيون، حيث تكون مهمتهم الإطلاع على الأبحاث الزراعية بلغات متعددة ثم نقلها إلى الفلاح البسيط ليقوم بتطبيقها عملياً.
- الصحفي: لا يمكن لصحفي أو مؤسسة صحفية أو وكالة أنباء أن تستغني عن الترجمة، إذ أنها تُعتبر الدُعامة الأساسية لمهنة الصحافة حيث يتم تلقي الأخبار من كافة دول العالم ثم ترجمتها لنشرها أو تحليلها أو التعليق عليها.
- الطباخ: نسميه في بلادنا العربية (الشيف) وهو الذي يحتاج بالطبع إلى كتب وفيديوهات مُترجمة تشرح كيفية عمل الكثير والكثير من أنواع الأطعمة والحلويات المختلفة في دول الشرق والغرب.
- المرشد السياحي: مهنة المرشد السياحي قائمة أصلاً على إتقان اللغات المختلفة وترجمتها للغة السائحين، فبالترجمة يستطيع صاحب مهنة السياحة تحقيق نجاحات كبيرة في مجاله عمله، وبدون الترجمة لا نجاح ولا عمل!.ولقد أكدت عدة إحصائيات عالمية على أن 80% من الأبحاث العلمية على الإنترنت باللغة الإنجليزية، بينما الأبحاث الموجودة على الشبكة ذاتها بواسطة بقية لغات العالم تبلغ 20% فقط !!
تلك هي أهمية الترجمة بالنسبة لبعض أفراد المجتمع... وأؤكد على أنني ذكرت تلك المهن والأعمال على سبيل "المثال" وليس "الحصر"، فالمهن التي يعمل بها الأفراد في أي مجتمع أكبر بكثير من أن تُحصى.
أما بالنسبة للمجتمع:
فلا يختلف اثنان على أن العالم يتطور من حولنا بشكل سريع ومتواصل وبلا توقف، ولمواكبة هذه التطورات يجب علينا أن نقوم بترجمة كل العلوم الإنسانية إلى لغتنا الأم لنعزز أنفسنا ونصنع إثراءً لثقافتنا- كلٌ في تخصصه- فنجعل شرائح كثيرة في المجتمع تتمكن من الإطلاع على آخر التطورات والمستجدات فى ميدان العلم.
وكلما تزايدت حركة الترجمة على مستوى العالم كلما زاد التفاعل الثقافي والحضاري بين الأمم، فيصُب هذا في مصلحة تقدم الحضارة الإنسانية عموماً، فمن خلال الترجمة يمكن للأفكار أن تتلاقى وتتلاقح فتتوالد أفكار جديدة تدعم بنية الحضارة الإنسانية.
ولهذا... لا يمكننا بحال من الأحوال أن نتخيل عالمنا بدون الترجمة.ولقد أثبت الواقع العملي أن هناك ارتباط وثيق الصلة بين عدد ما تترجمه الدول من مؤلفات وبين ما تحرزه من تطور وتقدم، فأكثر الشعوب التي تحيا في رخاء اقتصادي وازدهار معرفي هي تلك التي تترجم أكثر من غيرها، فمن خلال الترجمة يكتسب المجتمع المعرفة وتزدهر العلوم وتتطور الأمم. وإن المتتبع لحركات تطور الحضارة الإنسانية ونمو التقدم العلمي الإنساني يجد أن الترجمة ظاهرة تسبق كل إنجاز حضاري في أي دولة. ولذلك فإن البلاد العازمة على النهضة والتي تسعى بقوة للوصول إلى قمة التقدم هي تلك التي تهتم بنقل كل الأسرار التي تتعلق بالتكنولوجيا الحديثة والعلوم والصناعات المختلفة إلى لغتها، وذلك حتى تصبح متوفرة لأبنائها بلغتهم التي درجوا على استخدامها، لينتقلوا بعد ذلك إلى مرحلة الإبداع والتطوير وإحراز التقدم والسبق.ولقد قام العالم المعاصر مؤخراً بوضع الدول النامية أمام تحدٍٍ رهيب، وهو الخيار بين "الحياة" من خلال اللحاق بالتطور العلمي بواسطة الترجمة وغيرها، أو "الموت" بين رُكام الأمم المتخلفة.
إحصائيات عجيبة عن الترجمة:
قارئنا المبجل.. لعلك تصاب بالذهول إذا كنت تقرأ هذه الإحصائيات لأول مرة!!
- فحين ينتهي العرب من ترجمة (كتاب واحد) تكون اليابان قد أنهت ترجمة 90000 (تسعة آلاف كتاب)! [مجلة "زهرة الخليج"، مقال للروائية الجزائرية أحلام مستغماني، العدد 1118].
- البلدان العربية كلها تترجم 4.3 % ممّا تترجمه ألمانيا … (جريدة الحياة، عدد 2/2/2006م).
- العرب لا يترجمون أكثر من 330 كتاباً في السنة (تقرير التعليم العالي في البلدان العربية 2008م).
- الحصيلة الكلية لما تُرجم إلى اللغة العربية منذ عصر الخليفة المأمون بن الرشيد وحتى القرن الحادي والعشرين (أي أكثر من 1180 سنة)، هو 10.0000 (عشرة آلاف كتاب) فقط لا غير، وهي تساوي حصيلة ما تترجمه دولة مثل أسبانيا في سنة واحدة! ومعنى هذا أن أسبانيا تتقدم على العرب- كل سنة- بأكثر من عشرة قرون.
- إن عدد الكتب التي تُرجمت إلى العربية في ثلاثين عاماً، وهي ما بين (1970-2000) وصل إلى 6800 كتاباً (حوالي 2266 كتاباً في العام الواحد)، وهذا الرقم يساوي تقريباً ما تم نقله إلى اللغة الليتوانية التي يصل عدد الناطقين بها إلى 4 مليون إنسان فقط!!
- اليابان الآن تترجم ما يقارب 30 مليون صفحة سنوياً ما بين كتب وأبحاث ووثائق علمية أي ما يعادل 2.500.000 (اثنين مليون ونصف) صفحة شهرياً وهو ما يعادل 82.000 (اثنين وثمانون ألف) صفحة يومياً. في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي كله، هو حوالي خُمس ما يترجم في دولة مثل اليونان.
- الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بترجمة 172.000 كتاب سنوياً في شتى مجالات الحياة.
- بريطانيا تقوم بترجمة 162.000 كتاب في العام الواحد.
- ألمانيا تترجم 90 ألف كتاب سنوياً.
- إيران تقوم بترجمة 60 ألف كتاب في السنة.
- والمفاجأة الكبرى أن إسرائيل تقوم- طبقاً لآخر الإحصائيات- بترجمة 155 ألف كتاب سنوياً في كافة علوم الدنيا إلى لغة كانت ميتة، وهي اللغة العبرية، هذا بخلاف قيامهم بترجمة أبحاث ووثائق علمية تُعد بالآلاف.
- كل هذا وما زال العرب عاجزون عن ترجمة ولو حتى ألف كتاب سنوياً.
- ولأن إيطاليا أدركت- منذ زمن- شدة أهمية الترجمة فقد أقامت على مستوى الدولة (52) كلية ومعهداً ومدرسة عليا للترجمة بكافة فروعها والتخصصات المرتبطة بها.
وبعد كل هذا ما زالت هناك نُخبة من العرب تتحدث عن إمكانية حدوث تقدم في بلداننا العربية!
وهذا يجعلنا نتساءل بمرارة...
أيها العرب.. عن أي تقدم تتحدثون؟!
من أشهر حوادث الترجمة في تاريخ الإنسانية:
في القرن التاسع الميلادي، قام العرب بترجمة معظم مؤلفات الفيلسوف اليوناني أرسطو، بالإضافة إلى مؤلفات كثيرة تُرجمت من اليونانية إلى اللغة العربية
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان
ضاع أصل الكتب اليونانية وفُقدت تماماً!!
فتم إعادة ترجمة هذه الكتب مرة أخرى ولكن من العربية إلى اليونانية
ماذا يعني هذا؟
هذا يعني أنه لو لم تلعب الترجمة دورها الخطير في الحفاظ على هذه المؤلفات لضاعت تلك المؤلفات نهائياً وما وجدنا لها أثراً على وجه الأرض.
صحيح أن إعادة الترجمة إلى اليونانية لم تكن بكفاءة اللغة الأصلية مائة بالمائة، لكن هذا أفضل ألف مرة من فقدان هذه الكتب إلى الأبد.
أليس كذلك؟!!!
يُعرفها البعض بأنها "النقل أو التحويل من لغة إلى أخرى دون الإخلال بالمعنى"، والذي أراه... أن للترجمة تعريفٌ أوسع وأشمل من ذلك بكثير، إذ أنها:
- علمٌ عظيم.
- وذوقٌ رفيع.
- وفنٌ راقٍ.
- علمٌ عظيم حيث لا يكفي للمترجم المعرفة النظرية للمصطلحات وفقط، بل يتحتم عليه الإلمام بثقافة وعادات وتقاليد الشعوب التي تتحدث اللغة المترجم منها وإليها، ولذلك لا يجب أن ننظر إلى مسألة النقل من لغة لأخرى على أنها مهمة سهلة أو يسيرة، إذ أن كل شخص الآن صار بمقدوره فتح القاموس ونقل المعنى منه بكل سهولة.... فهل يصبح بهذا العمل من زمرة المترجمين؟ بكل تأكيد لا، لماذا؟ لأن الترجمة.......... علمٌ ودراسة متأنية.
- وهي ذوقٌ رفيع يعتمد على الإبداع اللا محدود والحس اللغوي المرهف
- وهي أيضاً فنٌ راقٍ يعتمد على الوصول لأهداف كبرى مثل القدرة على تحقيق التواصل بين الشعوب والاستفادة من خبرات بعضهم البعض في كافة مجالات الحياة (السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأدبية، والدينية، والسياحية، والفنية، والعسكرية، والعلمية، والتجارية، والإعلامية، والصناعية، والزراعية و..... و..... و..... إلخ)
- فإذا أردنا أن نُقدّر المترجمين الأكفاء حق قدرهم فلا ينبغي أن نجعلهم في مصاف الأطباء والمهندسين فحسب، بل يجب أن يرقى عمل المترجمين إلى عمل المتخصصين في أعمال البحث العلمي، الذين هم علماء الأمة وعمادها.- ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن الترجمة تُعد ركيزة أساسية في نجاح البحث العلمي في أي دولة، وذلك بسبب الدور الكبير الذي تلعبه لكي تتغلب على التحديات الكبيرة التي تقف حجر عثرة أمام حركة البحث العلمي، بل وتطرح الترجمة آليات يمكن من خلالها سد فجوة نقص المعرفة التي نعاني منها في بعض بلداننا العربية، كما أنها تخلق لنا ينبوعاً من ينابيع العلم الذي يمكن من خلاله إثراء البحث العلمي في كافة مجالاته.
ولذلك يجب أن نقر ونعترف بأنه: لا نهضة بدون ترجمة، ولا ترجمة بدون نهضة.
إذاً...
الترجمة ليست مجرد مهنة.... بل تُعد فناً مستقلاً بذاته، إذ أنها ما برحت تفتح لنا آفاق واسعة من الوعي والفهم والإطلاع على ثقافات الآخرين, وهي أم الفنون الإنسانية التي تعمل على التقريب بين الشعوب، وتدفع عجلة تقدم الإنسانية قُدماً.
الترجمة أمانة... الترجمة رسالة... ولسوف يستمر أصحابها في أداء هذه الرسالة بإخلاص ما بقي للبشر حياة على وجه الأرض.
ولعل هذا هو التعريف الحقيقي للترجمة ... أو بعض ما تستحق أن توصف به.
- أهمية الترجمة للفرد والمجتمع:-
دعونا نتساءل: هل الترجمة تشكل أهمية بالنسبة للفرد أو للمجتمع؟
والإجابة: قطعاً نعم.... فالترجمة تشكل أهمية قصوى للفرد وللمجتمع على حدٍ سواء، إذ أنها السبيل الوحيد الذي يُمكّن الفرد من معرفة ما يدور حوله في جميع أنحاء العالم ..... كيف ذلك؟
- على سبيل المثال وليس الحصر:-
- الشخص الرياضي: سواء كان لاعباً أو مدرباً فهو يحتاج بالتأكيد للترجمة من أجل الإطلاع على خطط واستراتيجيات الفرق الرياضية في الدول المتقدمة.
- الفنان: سواء كان ممثلاً أو مُخرجاً أو مُؤلفاً أو منتجاً لن يستطيع مشاهدة أحدث الأعمال الفنية على مستوى العالم إلا من خلال الترجمة.
وحتى المشاهد العادي... هل يستطيع أن يشاهد فيلم أو مسلسل أجنبي ويستوعب أحداثه بغير ترجمة؟ هذا مُحال.
- الطبيب: هو من لا يستطيع أن يحقق تقدماً في مهنته إلا بعد الإطلاع على أحدث الأبحاث الطبية التي تهتم بمجال تخصصه في الطب، وبلغات متعددة.
- الصيدلي: وهو من يحتاج إلى متابعة التركيبات الجديدة لأحدث الأدوية التي ظهرت في العالم، والأكثر احتياجاً لهذه المتابعة هي شركات الأدوية، والتي تعتبر أن من صميم عملها متابعة كل جديد في مجال الأدوية بمختلف أنواعها على مستوى العالم، كل ذلك لا يتم إلا بالترجمة.
- المهندس: وهو من يحتاج أيضاًَ لمتابعة كل جديد في مجال الهندسة على اختلاف تخصصاتها، وبخاصة هندسة الاتصالات والالكترونيات والتي تتطور في الدول المتقدمة بسرعة مذهلة.
- المحامي والقاضي: يحتاجان- وباستمرار- للإطلاع على أحدث القوانين الأجنبية وتعديلاتها، حتى يتسنى لهما المقارنة بين قوانين الدولة وما يماثلها من قوانين الدول الأخرى.
- الطالب: الطالب الجامعي أيضاً لابد له أن يستعين بالترجمة من أجل مشروع التخرج في السنة النهائية من دراسته الجامعية، أما الطالب الذي يقوم بتحضير رسالة الماجستير أو الدكتوراه فبكل تأكيد سيكون احتياجه للترجمة أكبر.
- المُدرس: أما المُدرس فهو بحاجة إلى الإطلاع على مناهج التعليم في الدول الأخرى، ليكتشف ما ينقصه في المنهج الذي يقوم بتدريسه للطلبة، وليعرف كيف يتم تطوير هذه المناهج.
- الأستاذ الجامعي: وهو يحتاج، وبشكل دائم، إلى معرفة الأبحاث العلمية الأجنبية التي تختص بمادته التي يقوم بتدريسها، بالإضافة إلى معرفة الأساليب الصحيحة التي تتبعها الجامعات المتقدمة ومحاولة تطبيقها.
- التاجر: أما التاجر فكيف يُصدر منتجاته أو يستورد منتجات من الدول الأجنبية بغير ترجمة؟ فبالترجمة ينجح التاجر ويتوسع في تجارته أياً كانت.
- الصانع: إن الصانع الذي يسعى إلى التفرد والتميز في مهنته لابد وأن يطلع على طرق تطوير صنعته في دول أخرى بلغات أخرى. أليس كذلك؟
- الزارع: يحتاج الفلاح إلى الإطلاع الدائم على الأبحاث الزراعية العالمية والتي من شأنها محاربة الآفات والقضاء عليها، والعمل على زيادة إنتاج الفدان الواحد، وحتى لا يكون كلامنا محض عبث فإننا نؤكد على أن خير من يقوم بهذه المهمة هم المهندسون الزراعيون، حيث تكون مهمتهم الإطلاع على الأبحاث الزراعية بلغات متعددة ثم نقلها إلى الفلاح البسيط ليقوم بتطبيقها عملياً.
- الصحفي: لا يمكن لصحفي أو مؤسسة صحفية أو وكالة أنباء أن تستغني عن الترجمة، إذ أنها تُعتبر الدُعامة الأساسية لمهنة الصحافة حيث يتم تلقي الأخبار من كافة دول العالم ثم ترجمتها لنشرها أو تحليلها أو التعليق عليها.
- الطباخ: نسميه في بلادنا العربية (الشيف) وهو الذي يحتاج بالطبع إلى كتب وفيديوهات مُترجمة تشرح كيفية عمل الكثير والكثير من أنواع الأطعمة والحلويات المختلفة في دول الشرق والغرب.
- المرشد السياحي: مهنة المرشد السياحي قائمة أصلاً على إتقان اللغات المختلفة وترجمتها للغة السائحين، فبالترجمة يستطيع صاحب مهنة السياحة تحقيق نجاحات كبيرة في مجاله عمله، وبدون الترجمة لا نجاح ولا عمل!.ولقد أكدت عدة إحصائيات عالمية على أن 80% من الأبحاث العلمية على الإنترنت باللغة الإنجليزية، بينما الأبحاث الموجودة على الشبكة ذاتها بواسطة بقية لغات العالم تبلغ 20% فقط !!
تلك هي أهمية الترجمة بالنسبة لبعض أفراد المجتمع... وأؤكد على أنني ذكرت تلك المهن والأعمال على سبيل "المثال" وليس "الحصر"، فالمهن التي يعمل بها الأفراد في أي مجتمع أكبر بكثير من أن تُحصى.
أما بالنسبة للمجتمع:
فلا يختلف اثنان على أن العالم يتطور من حولنا بشكل سريع ومتواصل وبلا توقف، ولمواكبة هذه التطورات يجب علينا أن نقوم بترجمة كل العلوم الإنسانية إلى لغتنا الأم لنعزز أنفسنا ونصنع إثراءً لثقافتنا- كلٌ في تخصصه- فنجعل شرائح كثيرة في المجتمع تتمكن من الإطلاع على آخر التطورات والمستجدات فى ميدان العلم.
وكلما تزايدت حركة الترجمة على مستوى العالم كلما زاد التفاعل الثقافي والحضاري بين الأمم، فيصُب هذا في مصلحة تقدم الحضارة الإنسانية عموماً، فمن خلال الترجمة يمكن للأفكار أن تتلاقى وتتلاقح فتتوالد أفكار جديدة تدعم بنية الحضارة الإنسانية.
ولهذا... لا يمكننا بحال من الأحوال أن نتخيل عالمنا بدون الترجمة.ولقد أثبت الواقع العملي أن هناك ارتباط وثيق الصلة بين عدد ما تترجمه الدول من مؤلفات وبين ما تحرزه من تطور وتقدم، فأكثر الشعوب التي تحيا في رخاء اقتصادي وازدهار معرفي هي تلك التي تترجم أكثر من غيرها، فمن خلال الترجمة يكتسب المجتمع المعرفة وتزدهر العلوم وتتطور الأمم. وإن المتتبع لحركات تطور الحضارة الإنسانية ونمو التقدم العلمي الإنساني يجد أن الترجمة ظاهرة تسبق كل إنجاز حضاري في أي دولة. ولذلك فإن البلاد العازمة على النهضة والتي تسعى بقوة للوصول إلى قمة التقدم هي تلك التي تهتم بنقل كل الأسرار التي تتعلق بالتكنولوجيا الحديثة والعلوم والصناعات المختلفة إلى لغتها، وذلك حتى تصبح متوفرة لأبنائها بلغتهم التي درجوا على استخدامها، لينتقلوا بعد ذلك إلى مرحلة الإبداع والتطوير وإحراز التقدم والسبق.ولقد قام العالم المعاصر مؤخراً بوضع الدول النامية أمام تحدٍٍ رهيب، وهو الخيار بين "الحياة" من خلال اللحاق بالتطور العلمي بواسطة الترجمة وغيرها، أو "الموت" بين رُكام الأمم المتخلفة.
إحصائيات عجيبة عن الترجمة:
قارئنا المبجل.. لعلك تصاب بالذهول إذا كنت تقرأ هذه الإحصائيات لأول مرة!!
- فحين ينتهي العرب من ترجمة (كتاب واحد) تكون اليابان قد أنهت ترجمة 90000 (تسعة آلاف كتاب)! [مجلة "زهرة الخليج"، مقال للروائية الجزائرية أحلام مستغماني، العدد 1118].
- البلدان العربية كلها تترجم 4.3 % ممّا تترجمه ألمانيا … (جريدة الحياة، عدد 2/2/2006م).
- العرب لا يترجمون أكثر من 330 كتاباً في السنة (تقرير التعليم العالي في البلدان العربية 2008م).
- الحصيلة الكلية لما تُرجم إلى اللغة العربية منذ عصر الخليفة المأمون بن الرشيد وحتى القرن الحادي والعشرين (أي أكثر من 1180 سنة)، هو 10.0000 (عشرة آلاف كتاب) فقط لا غير، وهي تساوي حصيلة ما تترجمه دولة مثل أسبانيا في سنة واحدة! ومعنى هذا أن أسبانيا تتقدم على العرب- كل سنة- بأكثر من عشرة قرون.
- إن عدد الكتب التي تُرجمت إلى العربية في ثلاثين عاماً، وهي ما بين (1970-2000) وصل إلى 6800 كتاباً (حوالي 2266 كتاباً في العام الواحد)، وهذا الرقم يساوي تقريباً ما تم نقله إلى اللغة الليتوانية التي يصل عدد الناطقين بها إلى 4 مليون إنسان فقط!!
- اليابان الآن تترجم ما يقارب 30 مليون صفحة سنوياً ما بين كتب وأبحاث ووثائق علمية أي ما يعادل 2.500.000 (اثنين مليون ونصف) صفحة شهرياً وهو ما يعادل 82.000 (اثنين وثمانون ألف) صفحة يومياً. في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي كله، هو حوالي خُمس ما يترجم في دولة مثل اليونان.
- الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بترجمة 172.000 كتاب سنوياً في شتى مجالات الحياة.
- بريطانيا تقوم بترجمة 162.000 كتاب في العام الواحد.
- ألمانيا تترجم 90 ألف كتاب سنوياً.
- إيران تقوم بترجمة 60 ألف كتاب في السنة.
- والمفاجأة الكبرى أن إسرائيل تقوم- طبقاً لآخر الإحصائيات- بترجمة 155 ألف كتاب سنوياً في كافة علوم الدنيا إلى لغة كانت ميتة، وهي اللغة العبرية، هذا بخلاف قيامهم بترجمة أبحاث ووثائق علمية تُعد بالآلاف.
- كل هذا وما زال العرب عاجزون عن ترجمة ولو حتى ألف كتاب سنوياً.
- ولأن إيطاليا أدركت- منذ زمن- شدة أهمية الترجمة فقد أقامت على مستوى الدولة (52) كلية ومعهداً ومدرسة عليا للترجمة بكافة فروعها والتخصصات المرتبطة بها.
وبعد كل هذا ما زالت هناك نُخبة من العرب تتحدث عن إمكانية حدوث تقدم في بلداننا العربية!
وهذا يجعلنا نتساءل بمرارة...
أيها العرب.. عن أي تقدم تتحدثون؟!
من أشهر حوادث الترجمة في تاريخ الإنسانية:
في القرن التاسع الميلادي، قام العرب بترجمة معظم مؤلفات الفيلسوف اليوناني أرسطو، بالإضافة إلى مؤلفات كثيرة تُرجمت من اليونانية إلى اللغة العربية
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان
ضاع أصل الكتب اليونانية وفُقدت تماماً!!
فتم إعادة ترجمة هذه الكتب مرة أخرى ولكن من العربية إلى اليونانية
ماذا يعني هذا؟
هذا يعني أنه لو لم تلعب الترجمة دورها الخطير في الحفاظ على هذه المؤلفات لضاعت تلك المؤلفات نهائياً وما وجدنا لها أثراً على وجه الأرض.
صحيح أن إعادة الترجمة إلى اليونانية لم تكن بكفاءة اللغة الأصلية مائة بالمائة، لكن هذا أفضل ألف مرة من فقدان هذه الكتب إلى الأبد.
أليس كذلك؟!!!