طلب مني صديق قبل سنوات وهو رسام كاريكاتير اردني ان اشتري له كتاباً لاحد رسامي الكاريكاتير العراقيين، كان قد صدر وقرأ عنه في الانترنت. لم يكن الكتاب موجودا في شارع المتنبي كما لم تسمع به اي من دور النشر، وفي الحقيقة لم يصدر وقتها اي من رسامي الكاريكاتير العراقيين وما اروع نتاجهم كتاباً يضم اعمالهم !! وكانت الاجابة الوحيدة المتوفرة انذاك انه موجود في مدينة السليمانية ولم يصل بغداد بعد. اول من امس وصل ليدي كتاب الرسام علي المندلاوي حمل عنوان « وجوه» والذي احب ان اطلق عليه اسم» سيرة حياة «، نعم هي سيرة حياة ريشة الفنان المندلاوي بتقلباتها بين المنافي والسياسة والفكر .
يشي الكتاب بثلاثة مستويات او مراحل في تجربة الفنان، وهي اذا ما احسن الباحثون قراءتها فانها تكشف رؤية المندلاوي للشخصية التي يرسمها.
بعض هذه الشخصيات صاحبة ارث ثقافي وادبي اضفى على ملامحها لمسة من نوع خاص، سيطرت على ريشة المندلاوي التي اطلق العنان لها، فراحت تبحث في ثنايا الشخصية وتاريخها واللمحة الحية التي تميزها في وسطها عمن سواها، فكانت لوحات مثل: شاكر حسن آل سعيد وجواد سليم وجان دمو .. من هذا النوع الذي اجاد المندلاوي فيه اقتناص هذه الوفرة الغنية من الطاقة وقدمها بطريقة رائعة جدا، وكأننا امام سيرة حياة للشخصية.
اما بعض الشخصيات فبدت قريبة جدا من شكلها المألوف، واخرى اوقفها المندلاوي في منطقة وسطى. وربما هذا يفسر تفاوت الاعمال، وكأن المندلاوي اطق العنان لريشته في بعضها وتأنى في البعض الاخر، لا ننسى ان بعضها يسجل بدايات المندلاوي في رسم الشخصيات مثل الراحل عمو بابا.
الملاحظة الثانية، ان المندلاوي ليس رساما للوجوه فقط، فقد كشف الكتاب عن رسام تشكيلي متمكن، كما في لوحة محمد مهر الدين التي شكلت علامة فارقة في الكتاب ويبدو انها رسمت بمزاج وتكنيك عاليين، رفقة الاعمال التي اقتناها المتحف العربي للفن الحديث في قطر، التي امتازت برؤية بانورامية للشخصية المرسومة، اجاد الفنان في تأثيثها لونيا وكتليا. كما يمكن ملاحظة قلة الحضور النسوي في الكتاب.
مسألة مهمة اخرى في لوحات المندلاوي وهي انه يرسم بصدق ويحرص على قراءة الشخصية قبل رسمها، يذكر هذا في قصة رسمه لشخصية السياب مثلا، كما يمكن تشخيصه في لوحتي شاكر حسن آل سعيد الجميلتين، و لوحات جواد سليم، وجان دمو، وطه باقر.. ويمكن ملاحظة ان بعض الشخصيات كانت قريبة جدا من شكلها الحقيقي، اذ لم يستطيع الفنان ان يضعها في اطار غير اطارها الواقعي، ونتحدث هنا عن الشخصيات السياسية العراقية تحديدا (لانه اجاد كثيرا في رسمه للرئيس فيدل كاسترو) ربما لان تجربتهم غير مؤثرة او عميقة في وجدان الفنان والانسان العراقي فظهروا كما هم. الكتاب تجربة مهمة ارجو ان تتكرر في تجارب فنانين اخرين مثل خضير الحميري وعبد الرحيم ياسر ومنصور البكري والقائمة طويلة.