_ 5_
عندما اقتحمت أولى طلائع كلوزيل المدينة الخالية من السكان يتقدمها الزواف بسيوفهم وبنادقهم الطويلة ، كانت معسكر قد أخليت عن آخرها حتى من قططها وكلابها التي اعتادت أن تملأ شوارعها في أوقات القيلولة صيفا أو الزوايا والأماكن الخالية شتاء. احتلت الفيالق الأولى البيوتات التي بقيتواقفة أو بها بعض الأغطية لتفادي قسوة البرد والأمطار والثلوج التي كانت تخترق العظام كالإبر . لاحظ الجنرال كلوزل وضباطه الحالة التي كانت توجد عليها المدينة فحاولا أن يرتبوا أمورهم في انتظار الصباح الذي لم تبق له إلا بعض الساعات .
في الفجر الأول عندما استيقظ القبطان شونقارنييه بعد اغفاءة خفيفة ، وبدأ يعبر الشوارع التي كستها أغلفة بيضاء من المطر ، اكتشف فجأة أمامه مدينة منكسرة عن آخرها . أهم ما بقي فيها واقفا ، مسجدها الموريسكي الذي قضت فيه إحدى كتائبه ليلتها الأولى في المدينة الخالية ، والبيوتات الأندلسية القديمة التي نجت من النار إذ بقيت بزرابيها ولم يتجرأ أحد على نهبها أو إخلائها من أغطيتها . واكتشف ما دمرته فلول الزواف الذين كانوا أول من دخل المدينة من ناحية المقبرة ، فكسرت كل المنحوتات الرخامية ذات الأحجام المتنوعة الكثيرة التي على الشواهد أو على القبور . لكن الذي ظل يشغل شونقارنييه هو الأسوار الخشنة التي ظلت واقفة وتحمي المدينة من الهجمات الممكنة . طلب من عساكره أن توجه صوبها المدافع التي جرها من ورائه في زحفه على المدينة ثم ركز ضرباته الأولى على مواطن قوتها لتنهار نهائيا في جهاتها الأكثر صلابة والتي تنهض بها أربع قلاع عالية للدفاع عن المدينة .لاحظ أن الأمير أخذ ما استطاع حمله على الجمال من مصانع الأسلحة وما تركه وراءه أحرقه بحيث أنه لم يعد صالحا . كانت المصانع في بداية عطائها وعلى الرغم من كونها لم تكن تنتج إلا بارودا أخضر ، يشتعل بصعوبة كانت النتيجة مهمة بالنسبة للأمير لأن عمليات تحسين البارود كانت قد بدأت بمساعدة الخبراء الإيطاليين والأمان الذين كانوا قد وضعوا أنفسهم في خدمة المصانع الأميرية .
عندما فوجيء شونقارنييه بآخر الكلاب الضالة يخرج من تحت اللآلات المحروقة بصعوبة إذ لم يكن قادرا على الهرب من كثرة الجوع ، لم يتساءل كثيرا ، أخرج مسدسه وأطلق عليه النار بكل برود دم . عندما رآهم يتحركون في البدايةلم يتحرك الكلب من مكانه . فقد بقي ثابتا كالحجرة وكأن الأمر لم يكن يعنيه لا من قريب ولا من بعيد . ظل يتأمل شونقارنييه بعينين مدورتين فارغتين من أي قلق . حتى عندما اخترقته الرصاصتان ، لوى رأسه وتدحرج بهدوء بدون أن يعوي أو يردح قليلا .
_ الكلاب الضالة تنقل الأمراض . التخلص منها ضرورة .
قال شونقارنييه وهو يعيد مسدسه إلى غمده .
ثم أمرتوقد النار في البيوتات الأندلسية التي ظلت واقفة والمسجد القديم ودار الباي التي بقيت على حالها ولم يأخذ منها الأمير أي شيء والأسواق الكبيرة التي بقيت واقفة وانسحب بعيدا يتأملها مع مجموعة من مساعديه . ثم نزل باتجاه سوق الذهب . لم يجد إلا عددا ضئيلا من العائلات اليهودية وبعض مسلمين من أصل أندلسي . أمر بالتوغل داخل البيوتات الواطئة والاستيلاء على الذهب . حاول مردوخ الذي كسا كل عرائس معسكر وضواحيها أيام عرسهم أن يقاوم ولكنه جرح في يده ، فنزعت منه المدراة التي كان يحاول بها إعاقة الفرقة على الدخول إلى بيته تحت صرخات النساء و الأطفال . بينما كتف حمو الذي حاول تهريب نسائه ونساء العائلات اليهودية من الباب الخلفية . أخرج الجميع من البيت باستثناء السيدة العجوز التي رفضت الخروج وظلت تستم بأعلى صوتها الذين أزعجوها في خلوتها ولم تتوقف أبدا حتى عندما بدأت النيران تأكل البيوتات التجارية المبنية ضمن خط مستقيم . انقلبت شتائمها إلى صرخات ثم إلى شيء يشبه العواء ثم صمتت تحت صوت النيران التي أكلت كل شيء .بينما أُخذ مردوخ وحمو وبقية الرجال باتجاه المدخل الغربي للمدينة حيث نصبت مشانق عديدة . أياديهم مكبلة وعيونهم مغمضة تمتم حمو وهو يشم رائحة الموت :
_ سنقتل يا مردوخ . ألا تحس بذلك ؟
_ وإذا أحسست ماذا بإمكاني أن أفعل ؟
_ لو استمعت إلي يا خويا ؟ رأسك خشن كالحجر الأصم . ما تسمع غير لروحك . ألم أقل لك يا مردوخ ؟ كان يجب أن نذهب مع أولادنا وراء الأمير .
_ عمرك سبعون وعمري أكثر قليلا ، ماذا بقي لنا ، لا شيء . الأمير لن يفرط في الأولاد ، أما أنا فقد تعبت من التنقل . في كل مرة نستقر فيها يأتي من يخرجنا من أرضنا . أجدادي وأجدادك جاؤوا إلى هذه الأرض هربا من محاكم التفتيش المقدس ، فأين نذهب ؟ كل الدروب صارت مغلقة وأرض الله ضاقت حتى صارت كفردة حذاء . يبدو أن نهايتنا هي هذه ولنقبل بهذا المصير . الموت في الجماعة لا يخيف .
وُضعت الحبال في أ‘ناقهم مثل الخرفان . لم يقاوموا . مدوا أعناقهم ورؤوسهم التي ابيضت بفعل الشيب والثلوج التي عادت إلى السقوط بقوة ، باستسلام كبير وعيون منطفئة ، ركزت قليلا نحو الهضبة العالية التي سلكها الأمير وأبناؤهم الذين ودعوهم بعيونهم قبل أت تنكسر على ظلام حاد وصرخات كانت تأتي من بعيد .
في اليوم الموالي من شهر البرد والريح والثلج ، غادرت الفيالق العسكرية المدينة بنفس النظام الذي دخلت به بعد أن جعلت المدينة مرتعا للكواسر والغربان والذئاب متوجهة نحوالمسالك المؤدية إلى وهران عن طريق مستغانم هذه المرة .
_ دخلنا المدينة وخرجنا منها بدون أن نخسر رجلا واحدا . قال الجنرال كلوزيل ، هناك حروب سهلة وأخرى معقدة ولكن هذه تبدو بدون طعم . صامتة .
_ وماذا كان يجب أن نفعل يا سيدي ؟
_ أن نجد على الأقل من يعطينا مبرر هذه الحرب.
_ والكلاب واليهود والعرب الذين شنقناهم ؟
_ ر أدري ولكني لا أشعر بطعم إلا بطعم الرماد الذي خلفه الأمير وراءه . لا أكثر .
كانت الأرجل الكثيوة تغوص في عمق الثلوج بسهولة وتخرج منها بعد مجهود كبير . حتى الخيل وجدت صعوبة كبيرة في إيجاد المسالك الأقل تعبا لها ، الكثير منها سقط على ركبتيه ولم يقف أبدا ، فترك هناك في مكانه بعد أن أطلقت عليه رصاصة الرحمة كما أمر شونقارنييه ، عادة تعلمها من أحد القادة الذين تخرج عليهم .
كان سهل اغريس كعادته في مثل هذا الفصل قد لبس بساطا ناصعا من الثلوج البيضاء الصافية. بساط خادع إذا يتجاوز في الكثير من الأماكن المتر ويُسِطّح كل العلامات ويضيع الطرقات والمسالك . كلما هبت رياح خفيفة ، سحبت وراءها نثار الثلج الذي لا يتوقف أبدا فيغطي سماء المدينة ببياض خفيف يسد كل الطرقات ويعميها . مما صعب كثيرا الحركة . الآلات الجديدة التي جلبتها السفن الحربية الفرنسية وجرها وراءه كلوزيل ، عقدت من حركة المشاة والمدفعية ، فقد وجدت هذه الأخيرة صعوبة كبيرة في إيجاد المسلك المؤدي إلى الطريق الغربي .
كانت أعواد المشانق التي نصبت وعلقت عليها أجساد العرب الباقين واليهود تبدو من بعيد وهي تتدلى كالعناقيد الجافة ، تحيط بها الكلاب الصفراء التي خرجت فجأة من مخابئها على الرغم من البرد والجوع والمطر ، تنظر لها باشتهاء بينما الكواسر تقتحم الأدخنة العالية ، تخترقها بعنف لتحوم دفعات دفعات على رؤوس الأجساد المتآكلة الأطراف والتي بدأت تتصلب وتتجمد من قوة البرد حتى أن النقرات الأولى لم تأت بأي شيء إذ أنها ارتفعت عاليا بمناقير فارغة ، فاستعدت لمعادة الكرة أمام كلاب زاد عددها وذئاب تنظر من وراء الأشجار والحيطان المهدمة إلى المشهد الذي بدأ جمهوره يزداد عددا وكثافة وتنوعا.
عندما اقتحمت أولى طلائع كلوزيل المدينة الخالية من السكان يتقدمها الزواف بسيوفهم وبنادقهم الطويلة ، كانت معسكر قد أخليت عن آخرها حتى من قططها وكلابها التي اعتادت أن تملأ شوارعها في أوقات القيلولة صيفا أو الزوايا والأماكن الخالية شتاء. احتلت الفيالق الأولى البيوتات التي بقيتواقفة أو بها بعض الأغطية لتفادي قسوة البرد والأمطار والثلوج التي كانت تخترق العظام كالإبر . لاحظ الجنرال كلوزل وضباطه الحالة التي كانت توجد عليها المدينة فحاولا أن يرتبوا أمورهم في انتظار الصباح الذي لم تبق له إلا بعض الساعات .
في الفجر الأول عندما استيقظ القبطان شونقارنييه بعد اغفاءة خفيفة ، وبدأ يعبر الشوارع التي كستها أغلفة بيضاء من المطر ، اكتشف فجأة أمامه مدينة منكسرة عن آخرها . أهم ما بقي فيها واقفا ، مسجدها الموريسكي الذي قضت فيه إحدى كتائبه ليلتها الأولى في المدينة الخالية ، والبيوتات الأندلسية القديمة التي نجت من النار إذ بقيت بزرابيها ولم يتجرأ أحد على نهبها أو إخلائها من أغطيتها . واكتشف ما دمرته فلول الزواف الذين كانوا أول من دخل المدينة من ناحية المقبرة ، فكسرت كل المنحوتات الرخامية ذات الأحجام المتنوعة الكثيرة التي على الشواهد أو على القبور . لكن الذي ظل يشغل شونقارنييه هو الأسوار الخشنة التي ظلت واقفة وتحمي المدينة من الهجمات الممكنة . طلب من عساكره أن توجه صوبها المدافع التي جرها من ورائه في زحفه على المدينة ثم ركز ضرباته الأولى على مواطن قوتها لتنهار نهائيا في جهاتها الأكثر صلابة والتي تنهض بها أربع قلاع عالية للدفاع عن المدينة .لاحظ أن الأمير أخذ ما استطاع حمله على الجمال من مصانع الأسلحة وما تركه وراءه أحرقه بحيث أنه لم يعد صالحا . كانت المصانع في بداية عطائها وعلى الرغم من كونها لم تكن تنتج إلا بارودا أخضر ، يشتعل بصعوبة كانت النتيجة مهمة بالنسبة للأمير لأن عمليات تحسين البارود كانت قد بدأت بمساعدة الخبراء الإيطاليين والأمان الذين كانوا قد وضعوا أنفسهم في خدمة المصانع الأميرية .
عندما فوجيء شونقارنييه بآخر الكلاب الضالة يخرج من تحت اللآلات المحروقة بصعوبة إذ لم يكن قادرا على الهرب من كثرة الجوع ، لم يتساءل كثيرا ، أخرج مسدسه وأطلق عليه النار بكل برود دم . عندما رآهم يتحركون في البدايةلم يتحرك الكلب من مكانه . فقد بقي ثابتا كالحجرة وكأن الأمر لم يكن يعنيه لا من قريب ولا من بعيد . ظل يتأمل شونقارنييه بعينين مدورتين فارغتين من أي قلق . حتى عندما اخترقته الرصاصتان ، لوى رأسه وتدحرج بهدوء بدون أن يعوي أو يردح قليلا .
_ الكلاب الضالة تنقل الأمراض . التخلص منها ضرورة .
قال شونقارنييه وهو يعيد مسدسه إلى غمده .
ثم أمرتوقد النار في البيوتات الأندلسية التي ظلت واقفة والمسجد القديم ودار الباي التي بقيت على حالها ولم يأخذ منها الأمير أي شيء والأسواق الكبيرة التي بقيت واقفة وانسحب بعيدا يتأملها مع مجموعة من مساعديه . ثم نزل باتجاه سوق الذهب . لم يجد إلا عددا ضئيلا من العائلات اليهودية وبعض مسلمين من أصل أندلسي . أمر بالتوغل داخل البيوتات الواطئة والاستيلاء على الذهب . حاول مردوخ الذي كسا كل عرائس معسكر وضواحيها أيام عرسهم أن يقاوم ولكنه جرح في يده ، فنزعت منه المدراة التي كان يحاول بها إعاقة الفرقة على الدخول إلى بيته تحت صرخات النساء و الأطفال . بينما كتف حمو الذي حاول تهريب نسائه ونساء العائلات اليهودية من الباب الخلفية . أخرج الجميع من البيت باستثناء السيدة العجوز التي رفضت الخروج وظلت تستم بأعلى صوتها الذين أزعجوها في خلوتها ولم تتوقف أبدا حتى عندما بدأت النيران تأكل البيوتات التجارية المبنية ضمن خط مستقيم . انقلبت شتائمها إلى صرخات ثم إلى شيء يشبه العواء ثم صمتت تحت صوت النيران التي أكلت كل شيء .بينما أُخذ مردوخ وحمو وبقية الرجال باتجاه المدخل الغربي للمدينة حيث نصبت مشانق عديدة . أياديهم مكبلة وعيونهم مغمضة تمتم حمو وهو يشم رائحة الموت :
_ سنقتل يا مردوخ . ألا تحس بذلك ؟
_ وإذا أحسست ماذا بإمكاني أن أفعل ؟
_ لو استمعت إلي يا خويا ؟ رأسك خشن كالحجر الأصم . ما تسمع غير لروحك . ألم أقل لك يا مردوخ ؟ كان يجب أن نذهب مع أولادنا وراء الأمير .
_ عمرك سبعون وعمري أكثر قليلا ، ماذا بقي لنا ، لا شيء . الأمير لن يفرط في الأولاد ، أما أنا فقد تعبت من التنقل . في كل مرة نستقر فيها يأتي من يخرجنا من أرضنا . أجدادي وأجدادك جاؤوا إلى هذه الأرض هربا من محاكم التفتيش المقدس ، فأين نذهب ؟ كل الدروب صارت مغلقة وأرض الله ضاقت حتى صارت كفردة حذاء . يبدو أن نهايتنا هي هذه ولنقبل بهذا المصير . الموت في الجماعة لا يخيف .
وُضعت الحبال في أ‘ناقهم مثل الخرفان . لم يقاوموا . مدوا أعناقهم ورؤوسهم التي ابيضت بفعل الشيب والثلوج التي عادت إلى السقوط بقوة ، باستسلام كبير وعيون منطفئة ، ركزت قليلا نحو الهضبة العالية التي سلكها الأمير وأبناؤهم الذين ودعوهم بعيونهم قبل أت تنكسر على ظلام حاد وصرخات كانت تأتي من بعيد .
في اليوم الموالي من شهر البرد والريح والثلج ، غادرت الفيالق العسكرية المدينة بنفس النظام الذي دخلت به بعد أن جعلت المدينة مرتعا للكواسر والغربان والذئاب متوجهة نحوالمسالك المؤدية إلى وهران عن طريق مستغانم هذه المرة .
_ دخلنا المدينة وخرجنا منها بدون أن نخسر رجلا واحدا . قال الجنرال كلوزيل ، هناك حروب سهلة وأخرى معقدة ولكن هذه تبدو بدون طعم . صامتة .
_ وماذا كان يجب أن نفعل يا سيدي ؟
_ أن نجد على الأقل من يعطينا مبرر هذه الحرب.
_ والكلاب واليهود والعرب الذين شنقناهم ؟
_ ر أدري ولكني لا أشعر بطعم إلا بطعم الرماد الذي خلفه الأمير وراءه . لا أكثر .
كانت الأرجل الكثيوة تغوص في عمق الثلوج بسهولة وتخرج منها بعد مجهود كبير . حتى الخيل وجدت صعوبة كبيرة في إيجاد المسالك الأقل تعبا لها ، الكثير منها سقط على ركبتيه ولم يقف أبدا ، فترك هناك في مكانه بعد أن أطلقت عليه رصاصة الرحمة كما أمر شونقارنييه ، عادة تعلمها من أحد القادة الذين تخرج عليهم .
كان سهل اغريس كعادته في مثل هذا الفصل قد لبس بساطا ناصعا من الثلوج البيضاء الصافية. بساط خادع إذا يتجاوز في الكثير من الأماكن المتر ويُسِطّح كل العلامات ويضيع الطرقات والمسالك . كلما هبت رياح خفيفة ، سحبت وراءها نثار الثلج الذي لا يتوقف أبدا فيغطي سماء المدينة ببياض خفيف يسد كل الطرقات ويعميها . مما صعب كثيرا الحركة . الآلات الجديدة التي جلبتها السفن الحربية الفرنسية وجرها وراءه كلوزيل ، عقدت من حركة المشاة والمدفعية ، فقد وجدت هذه الأخيرة صعوبة كبيرة في إيجاد المسلك المؤدي إلى الطريق الغربي .
كانت أعواد المشانق التي نصبت وعلقت عليها أجساد العرب الباقين واليهود تبدو من بعيد وهي تتدلى كالعناقيد الجافة ، تحيط بها الكلاب الصفراء التي خرجت فجأة من مخابئها على الرغم من البرد والجوع والمطر ، تنظر لها باشتهاء بينما الكواسر تقتحم الأدخنة العالية ، تخترقها بعنف لتحوم دفعات دفعات على رؤوس الأجساد المتآكلة الأطراف والتي بدأت تتصلب وتتجمد من قوة البرد حتى أن النقرات الأولى لم تأت بأي شيء إذ أنها ارتفعت عاليا بمناقير فارغة ، فاستعدت لمعادة الكرة أمام كلاب زاد عددها وذئاب تنظر من وراء الأشجار والحيطان المهدمة إلى المشهد الذي بدأ جمهوره يزداد عددا وكثافة وتنوعا.