إذا احتدم الصيف، جُعلتَ أنت أيها البحر1 للزمن فصلًا جديدًا يسمى "الربيع المائي".
وتنتقل إلى أيامك أرواح الحدائق، فتنبت في الزمن بعض الساعات الشهية كأنها الثمر الحلو الناضج على شجره.
ويوحي لونك الأزرق إلى النفوس ما كان يوحيه لون الربيع الأخضر، إلا أنه أرق وألطف.
ويرى الشعراء في ساحلك مثل ما يرون في أرض الربيع، أنوثة طاهرة، غير أنها تلد المعاني لا النبات.
ويحس العشاق عندي ما يحسونه في الربيع: أن الهواء يتأوَّه.
في الربيع، يتحرك في الدم البشري سر هذه الأرض؛ وعند "الربيع المائي" يتحرك في الدم سر هذه السحب.
نوعان من الخمر في هواء الربيع وهواء البحر، يكون منهما سكر واحد من الطرب.
وبالربيعين الأخضر والأزرق ينفتح بابان للعالم السحري العجيب؛ عالم الجمال الأرضي الذي تدخله الروح الإنسانية كما يدخل القلب المحب في شعاع ابتسامة ومعناها.
في "الربيع المائي" يجلس المرء, وكأنه جالس في سحابة لا في الأرض.
ويشعر كأنه لابس ثيابًا من الظل لا من القماش؛ ويجد الهواء قد تنزه عن أن يكون هواء التراب.
وتخف على نفسه الأشياء، كأن بعض المعاني الأرضية انتُزعت من المادة. وهنا يدرك الحقيقة: أن السرور إن هو إلا تنبه معاني الطبيعة في القلب.
وللشمس هنا معنى جديد ليس لها هناك في "دنيا الرزق".
تشرق الشمس هنا على الجسم؛ أما هناك فكأنما تطلع وتغرب على الأعمال التي يعمل الجسم فيها.
تطلع هناك على ديوان الموظف لا الموظف، وعلى حانوت التاجر لا التاجر، وعلى مصنع العامل، ومدرسة التلميذ، ودار المرأة.
تطلع الشمس هناك بالنور، ولكن الناس -وا أسفاه- يكونون في ساعاتهم المظلمة.
الشمس هنا جديدة، تثبت أن الجديد في الطبيعة هو الجديد في كيفية شعور النفس به.
والقمر زاهٍ رَفَّاف من الحسن؛ كأنه اغتسل وخرج من البحر.
أو كأنه ليس قمرًا، بل هو فجر طلع في أوائل الليل؛ فحصرته السماء في مكانه ليستمر الليل.
فجر لا يوقظ العيون من أحلامها، ولكنه يوقظ الأرواح لأحلامها.
ويلقي من سحره على النجوم فلا تظهر حوله إلا مستبهمة كأنها أحلام معلقة.
للقمر هنا طريقة في إبهاج النفس الشاعرة، كطريقة الوجه المعشوق حين تقبِّله أول مرة.
و"للربيع المائي" طيوره المغردة وفراشه المتنقل.
أما الطيور فنساء يتضاحكن، وأما الفراش فأطفال يتواثبون.
نساء إذا انغمسن في البحر، خُيِّل إليَّ أن الأمواج تتشاحن وتتخاصم على بعضهن.
رأيت منهن زهراء فاتنة قد جلست على الرمل جلسة حواء قبل اختراع الثياب، فقال البحر: يا إلهي! قد انتقل معنى الغرق إلى الشاطئ.
إن الغريق من غَرِق في موجة الرمل هذه.
والأطفال يلعبون ويصرخون ويَضِجُّون كأنما اتسعت لهم الحياة والدنيا.
وخُيِّل إليهم أنهم أقلقوا البحر كما يقلقون الدار، فصاح بهم: ويحكم يا أسماك التراب! ورأيت طفلًا منهم قد جاء فوكز البحر برجله! فضحك البحر وقال: انظروا يا بني آدم!!
أعلى الله أن يعبأ بالمغرور منكم إذا كفر به؟ أعلي أن أعبأ بهذا الطفل كيلا يقول: إنه ركلني برجله؟
أيها البحر، قد ملأتك قوة الله لتثبت فراغ الأرض لأهل الأرض.
ليس فيك ممالك ولا حدود، وليس عليك سلطان لهذا الإنسان المغرور.
وتجيش بالناس وبالسفن العظيمة، كأنك تحمل من هؤلاء وهؤلاء قشا ترمي به.
والاختراع الإنساني مهما عظم لا يغني الإنسان فيك عن إيمانه.
وأنت تملأ ثلاثة أرباع الأرض بالعظمة والهول، ردًّا على عظمة الإنسان وهوله في الربع الباقي؛ ما أعظم الإنسان وأصغره!
ينزل في الناس ماؤك فيتساوون حتى لا يختلف ظاهر عن ظاهر.
ويركبون ظهرك في السفن فيحن بعضهم إلى بعض حتى لا يختلف باطن عن باطن.
تشعرهم جميعًا أنهم خرجوا من الكرة الأرضية ومن أحكامها الباطلة.
وتفقرهم إلى الحب والصداقة فقرأ يريهم النجوم نفسها كأنها أصدقاء، إذ عرفوها في الأرض.
يا سحر الخوف، أنت أنت في اللجة كما أنت أنت في جهنم.
وإذا ركبك الملحد أيها البحر، فرجفتَ من تحته، وهدرتَ عليه وثُرْتَ به، وأريتَهُ رأي العين كأنه بين سماءين ستنطبق إحداهما على الأخرى, فتقفلان عليه, تركته يتطأطأ ويتواضع، كأنك تهزه وتهز أفكاره معًا، وتدحرجه وتدحرجها.
وأطَرْتَ كل ما في عقله, فيلجأ إلى الله بعقل طفل.
وكشفت له عن الحقيقة: أن نسيان الله ليس عمل العقل، ولكنه عمل الغفلة والأمن وطول السلامة.
ألا ما أشبه الإنسان في الحياة بالسفينة في أمواج هذا البحر!
إن ارتفعت السفينة، أو انخفضت، أو مادت، فليس ذلك منها وحدها، بل مما حولها.
ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئًا، ولكن قانونها هي الثبات، والتوازن، والاهتداء إلى قصدها، ونجاتها في قانونها.
فلا يَعْتبَنَّ الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن فليجتهد أن يحكم نفسه.
وتنتقل إلى أيامك أرواح الحدائق، فتنبت في الزمن بعض الساعات الشهية كأنها الثمر الحلو الناضج على شجره.
ويوحي لونك الأزرق إلى النفوس ما كان يوحيه لون الربيع الأخضر، إلا أنه أرق وألطف.
ويرى الشعراء في ساحلك مثل ما يرون في أرض الربيع، أنوثة طاهرة، غير أنها تلد المعاني لا النبات.
ويحس العشاق عندي ما يحسونه في الربيع: أن الهواء يتأوَّه.
في الربيع، يتحرك في الدم البشري سر هذه الأرض؛ وعند "الربيع المائي" يتحرك في الدم سر هذه السحب.
نوعان من الخمر في هواء الربيع وهواء البحر، يكون منهما سكر واحد من الطرب.
وبالربيعين الأخضر والأزرق ينفتح بابان للعالم السحري العجيب؛ عالم الجمال الأرضي الذي تدخله الروح الإنسانية كما يدخل القلب المحب في شعاع ابتسامة ومعناها.
في "الربيع المائي" يجلس المرء, وكأنه جالس في سحابة لا في الأرض.
ويشعر كأنه لابس ثيابًا من الظل لا من القماش؛ ويجد الهواء قد تنزه عن أن يكون هواء التراب.
وتخف على نفسه الأشياء، كأن بعض المعاني الأرضية انتُزعت من المادة. وهنا يدرك الحقيقة: أن السرور إن هو إلا تنبه معاني الطبيعة في القلب.
وللشمس هنا معنى جديد ليس لها هناك في "دنيا الرزق".
تشرق الشمس هنا على الجسم؛ أما هناك فكأنما تطلع وتغرب على الأعمال التي يعمل الجسم فيها.
تطلع هناك على ديوان الموظف لا الموظف، وعلى حانوت التاجر لا التاجر، وعلى مصنع العامل، ومدرسة التلميذ، ودار المرأة.
تطلع الشمس هناك بالنور، ولكن الناس -وا أسفاه- يكونون في ساعاتهم المظلمة.
الشمس هنا جديدة، تثبت أن الجديد في الطبيعة هو الجديد في كيفية شعور النفس به.
والقمر زاهٍ رَفَّاف من الحسن؛ كأنه اغتسل وخرج من البحر.
أو كأنه ليس قمرًا، بل هو فجر طلع في أوائل الليل؛ فحصرته السماء في مكانه ليستمر الليل.
فجر لا يوقظ العيون من أحلامها، ولكنه يوقظ الأرواح لأحلامها.
ويلقي من سحره على النجوم فلا تظهر حوله إلا مستبهمة كأنها أحلام معلقة.
للقمر هنا طريقة في إبهاج النفس الشاعرة، كطريقة الوجه المعشوق حين تقبِّله أول مرة.
و"للربيع المائي" طيوره المغردة وفراشه المتنقل.
أما الطيور فنساء يتضاحكن، وأما الفراش فأطفال يتواثبون.
نساء إذا انغمسن في البحر، خُيِّل إليَّ أن الأمواج تتشاحن وتتخاصم على بعضهن.
رأيت منهن زهراء فاتنة قد جلست على الرمل جلسة حواء قبل اختراع الثياب، فقال البحر: يا إلهي! قد انتقل معنى الغرق إلى الشاطئ.
إن الغريق من غَرِق في موجة الرمل هذه.
والأطفال يلعبون ويصرخون ويَضِجُّون كأنما اتسعت لهم الحياة والدنيا.
وخُيِّل إليهم أنهم أقلقوا البحر كما يقلقون الدار، فصاح بهم: ويحكم يا أسماك التراب! ورأيت طفلًا منهم قد جاء فوكز البحر برجله! فضحك البحر وقال: انظروا يا بني آدم!!
أعلى الله أن يعبأ بالمغرور منكم إذا كفر به؟ أعلي أن أعبأ بهذا الطفل كيلا يقول: إنه ركلني برجله؟
أيها البحر، قد ملأتك قوة الله لتثبت فراغ الأرض لأهل الأرض.
ليس فيك ممالك ولا حدود، وليس عليك سلطان لهذا الإنسان المغرور.
وتجيش بالناس وبالسفن العظيمة، كأنك تحمل من هؤلاء وهؤلاء قشا ترمي به.
والاختراع الإنساني مهما عظم لا يغني الإنسان فيك عن إيمانه.
وأنت تملأ ثلاثة أرباع الأرض بالعظمة والهول، ردًّا على عظمة الإنسان وهوله في الربع الباقي؛ ما أعظم الإنسان وأصغره!
ينزل في الناس ماؤك فيتساوون حتى لا يختلف ظاهر عن ظاهر.
ويركبون ظهرك في السفن فيحن بعضهم إلى بعض حتى لا يختلف باطن عن باطن.
تشعرهم جميعًا أنهم خرجوا من الكرة الأرضية ومن أحكامها الباطلة.
وتفقرهم إلى الحب والصداقة فقرأ يريهم النجوم نفسها كأنها أصدقاء، إذ عرفوها في الأرض.
يا سحر الخوف، أنت أنت في اللجة كما أنت أنت في جهنم.
وإذا ركبك الملحد أيها البحر، فرجفتَ من تحته، وهدرتَ عليه وثُرْتَ به، وأريتَهُ رأي العين كأنه بين سماءين ستنطبق إحداهما على الأخرى, فتقفلان عليه, تركته يتطأطأ ويتواضع، كأنك تهزه وتهز أفكاره معًا، وتدحرجه وتدحرجها.
وأطَرْتَ كل ما في عقله, فيلجأ إلى الله بعقل طفل.
وكشفت له عن الحقيقة: أن نسيان الله ليس عمل العقل، ولكنه عمل الغفلة والأمن وطول السلامة.
ألا ما أشبه الإنسان في الحياة بالسفينة في أمواج هذا البحر!
إن ارتفعت السفينة، أو انخفضت، أو مادت، فليس ذلك منها وحدها، بل مما حولها.
ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئًا، ولكن قانونها هي الثبات، والتوازن، والاهتداء إلى قصدها، ونجاتها في قانونها.
فلا يَعْتبَنَّ الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن فليجتهد أن يحكم نفسه.