خرجتُ أشهد الطبيعة كيف تُصبح كالمعشوق الجميل، لا يقدم لعاشقه إلا أسباب حبه!
وكيف تكون كالحبيب، يزيد في الجسم حاسة لمس المعاني الجميلة!
وكنتُ كالقلب المهجور الحزين وجد السماء والأرض، ولم يجد فيهما سماءه وأرضه.
ألا كم آلاف السنين وآلافها قد مضت منذ أُخرج آدم من الجنة!
ومع ذلك, فالتاريخ يعيد نفسه في القلب؛ لا يحزن هذا القلب إلا شعر كأنه طُرد من الجنة لساعته.
يقف الشاعر بإزاء جمال الطبيعة، فلا يملك إلا أن يتدفق ويهتز ويطرَب.
لأن السر الذي انبثق هنا في الأرض، يريد أن ينبثق هناك في النفس.
والشاعر نبي هذه الديانة الرقيقة التي من شريعتها إصلاح الناس بالجمال والخير.
وكل حُسن يلتمس النظرة الحية التي تراه جميلًا لتعطيه معناه.
وبهذا تقف الطبيعة محتفلة أمام الشاعر، كوقوف المرأة الحسناء أمام المصور.
لاحت لي الأزهار كأنها ألفاظ حب رقيقة مغشاة باستعارات ومجازات.
والنسيم حولها كثوب الحسناء على الحسناء، فيه تعبير من لابسته.
وكل زهرة كابتسامة، تحتها أسرار من معاني القلب المعقدة.
أهي لغة الضوء الملون من الشمس ذات الألوان السبعة؟
أم لغة الضوء الملون من الخد؛ والشفة؛ والصدر؛ والنحر؛ والديباج؛ والحِلَى؟
وماذا يفهم العشاق من رموز الطبيعة في هذه الأزاهر الجميلة؟
أتشير لهم بالزهر إلى أن عمر اللذة قصير، كأنها تقول: على مقدار هذا؟
أتُعْلِمهم أن الفرق بين جميل وجميل، كالفرق بين اللون واللون، وبين الرائحة والرائحة؟
أتُنَاجيهم بأن أيام الحب صور أيام لا حقائق أيام؟
أم تقول الطبيعة: إن كل هذا؛ لأنكِ أيتها الحشرات لا تنخدعين إلا بكل هذا1؟
في الربيع تظهر ألوان الأرض على الأرض، وتظهر ألوان النفس على النفس.
ويصنع الماء صنعه في الطبيعة؛ فتُخرج تهاويل النبات، ويصنع الدم صنعه فيُخرج تهاويل الأحلام,
ويكون الهواء كأنه من شفاه متحابة يتنفس بعضها على بعض،
ويعود كل شيء يلتمع؛ لأن الحياة كلها ينبض فيها عرق النور،
ويرجع كل حي يغني؛ لأن الحب يريد أن يرفع صوته.
وفي الربيع لا يضيء النور في الأعين وحدها، ولكن في القلوب أيضًا.
ولا ينفذ الهواء إلى الصدور فقط، ولكن إلى عواطفها كذلك.
ويكون للشمس حرارتان إحداهما في الدم.
ويطغى فيضان الجمال كأنما يراد من الربيع تجربة منظر من مناظر الجنة في الأرض.
والحيوان الأعجم نفسه تكون له لفتات عقلية فيها إدراك فلسفة السرور والمرح.
وكانت الشمس في الشتاء كأنها صورة معلقة في السحاب.
وكان النهار كأنه يضيء بالقمر لا بالشمس.
وكان الهواء مع المطر كأنه مطر غير سائل.
وكانت الحياة تضع في أشياء كثيرة معنى عبوس الجو.
فلما جاء الربيع كان فرح جميع الأحياء بالشمس كفرح الأطفال, رجعت أمهم من السفر.
وينظر الشباب, فتظهر له الأرض شابَّة.
ويشعر أنه موجود في معاني الذات أكثر مما هو موجود في معاني العالم.
وتمتلئ له الدنيا بالأزهار، ومعاني الأزهار، ووحي الأزهار.
وتُخرج له أشعة الشمس ربيعًا, وأشعة قلبه ربيعًا آخر.
ولا تنسى الحياة عجائزها، فربيعهم ضوء الشمس.
ما أعجب سر الحياة! كل شجرة في الربيع جمال هندسي مستقل.
ومهما قطعتَ منها وغيرتَ من شكلها أبرزتها الحياة في جمال هندسي جديد كأنك أصلحتَها.
ولو لم يبق منها إلا جذر حي أسرعت الحياة فجعلت له شكلًا من غصون وأوراق.
الحياة الحياة, إذا أنت لم تفسدها جاءتك دائمًا هداياها.
وإذا آمنت لم تعد بمقدار نفسك، ولكن بمقدار القوة التي أنت بها مؤمن.
{فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ} [الروم: 50].
وانظر كيف يخلق في الطبيعة هذه المعاني التي تبهج كل حي، بالطريقة التي يفهمها كل حي.
وانظر كيف يجعل في الأرض معنى السرور، وفي الجو معنى السعادة.
وانظر إلى الحشرة الصغيرة كيف تؤمن بالحياة التي تملؤها وتطمئن؟
انظر انظر! أليس كل ذلك ردًّا على اليأس بكلمة: لا؟
وكيف تكون كالحبيب، يزيد في الجسم حاسة لمس المعاني الجميلة!
وكنتُ كالقلب المهجور الحزين وجد السماء والأرض، ولم يجد فيهما سماءه وأرضه.
ألا كم آلاف السنين وآلافها قد مضت منذ أُخرج آدم من الجنة!
ومع ذلك, فالتاريخ يعيد نفسه في القلب؛ لا يحزن هذا القلب إلا شعر كأنه طُرد من الجنة لساعته.
يقف الشاعر بإزاء جمال الطبيعة، فلا يملك إلا أن يتدفق ويهتز ويطرَب.
لأن السر الذي انبثق هنا في الأرض، يريد أن ينبثق هناك في النفس.
والشاعر نبي هذه الديانة الرقيقة التي من شريعتها إصلاح الناس بالجمال والخير.
وكل حُسن يلتمس النظرة الحية التي تراه جميلًا لتعطيه معناه.
وبهذا تقف الطبيعة محتفلة أمام الشاعر، كوقوف المرأة الحسناء أمام المصور.
لاحت لي الأزهار كأنها ألفاظ حب رقيقة مغشاة باستعارات ومجازات.
والنسيم حولها كثوب الحسناء على الحسناء، فيه تعبير من لابسته.
وكل زهرة كابتسامة، تحتها أسرار من معاني القلب المعقدة.
أهي لغة الضوء الملون من الشمس ذات الألوان السبعة؟
أم لغة الضوء الملون من الخد؛ والشفة؛ والصدر؛ والنحر؛ والديباج؛ والحِلَى؟
وماذا يفهم العشاق من رموز الطبيعة في هذه الأزاهر الجميلة؟
أتشير لهم بالزهر إلى أن عمر اللذة قصير، كأنها تقول: على مقدار هذا؟
أتُعْلِمهم أن الفرق بين جميل وجميل، كالفرق بين اللون واللون، وبين الرائحة والرائحة؟
أتُنَاجيهم بأن أيام الحب صور أيام لا حقائق أيام؟
أم تقول الطبيعة: إن كل هذا؛ لأنكِ أيتها الحشرات لا تنخدعين إلا بكل هذا1؟
في الربيع تظهر ألوان الأرض على الأرض، وتظهر ألوان النفس على النفس.
ويصنع الماء صنعه في الطبيعة؛ فتُخرج تهاويل النبات، ويصنع الدم صنعه فيُخرج تهاويل الأحلام,
ويكون الهواء كأنه من شفاه متحابة يتنفس بعضها على بعض،
ويعود كل شيء يلتمع؛ لأن الحياة كلها ينبض فيها عرق النور،
ويرجع كل حي يغني؛ لأن الحب يريد أن يرفع صوته.
وفي الربيع لا يضيء النور في الأعين وحدها، ولكن في القلوب أيضًا.
ولا ينفذ الهواء إلى الصدور فقط، ولكن إلى عواطفها كذلك.
ويكون للشمس حرارتان إحداهما في الدم.
ويطغى فيضان الجمال كأنما يراد من الربيع تجربة منظر من مناظر الجنة في الأرض.
والحيوان الأعجم نفسه تكون له لفتات عقلية فيها إدراك فلسفة السرور والمرح.
وكانت الشمس في الشتاء كأنها صورة معلقة في السحاب.
وكان النهار كأنه يضيء بالقمر لا بالشمس.
وكان الهواء مع المطر كأنه مطر غير سائل.
وكانت الحياة تضع في أشياء كثيرة معنى عبوس الجو.
فلما جاء الربيع كان فرح جميع الأحياء بالشمس كفرح الأطفال, رجعت أمهم من السفر.
وينظر الشباب, فتظهر له الأرض شابَّة.
ويشعر أنه موجود في معاني الذات أكثر مما هو موجود في معاني العالم.
وتمتلئ له الدنيا بالأزهار، ومعاني الأزهار، ووحي الأزهار.
وتُخرج له أشعة الشمس ربيعًا, وأشعة قلبه ربيعًا آخر.
ولا تنسى الحياة عجائزها، فربيعهم ضوء الشمس.
ما أعجب سر الحياة! كل شجرة في الربيع جمال هندسي مستقل.
ومهما قطعتَ منها وغيرتَ من شكلها أبرزتها الحياة في جمال هندسي جديد كأنك أصلحتَها.
ولو لم يبق منها إلا جذر حي أسرعت الحياة فجعلت له شكلًا من غصون وأوراق.
الحياة الحياة, إذا أنت لم تفسدها جاءتك دائمًا هداياها.
وإذا آمنت لم تعد بمقدار نفسك، ولكن بمقدار القوة التي أنت بها مؤمن.
{فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ} [الروم: 50].
وانظر كيف يخلق في الطبيعة هذه المعاني التي تبهج كل حي، بالطريقة التي يفهمها كل حي.
وانظر كيف يجعل في الأرض معنى السرور، وفي الجو معنى السعادة.
وانظر إلى الحشرة الصغيرة كيف تؤمن بالحياة التي تملؤها وتطمئن؟
انظر انظر! أليس كل ذلك ردًّا على اليأس بكلمة: لا؟