من رواية: أنثى السراب

  Bài viết hay nhất1
كم تنقصك من الروح أيتها البلاد المؤذية لتصيري بلادا بلا منازع و بلا أقنعة، بلادا كبقية البلدان، تحب ناسها وتكرم أحبتها من حين لآخر حتى لا تنساهم ولا ينسونها.
أيتها البلاد التي نكست كل رايات الفرح ولبست حدادها وانتعلت أحذيتها القديمة التي أذلت فرحتها، لا تكثري الدق، لم أعد هنا. فقد خرجت باكرا هذا الصباح ولم أنس أبدا أن أغلق ورائي كل النوافذ والأبراج، وأسدّ القلب للمرة الأخيرة، وأقسمت أن لا ألتفت ورائي، وقلت في خاطري ليكن، للحب ثمن وعلي أن أدفعه لتلبية نداء غامض في داخلي اسمه الجنون.
لقد انسحبت من الدنيا مثلما يفعل الساموراي عادة عندما يخسر حروبه المقدسة كما كان يشتهي والدي أن يفعل دائما. وها أنا ذي اليوم قد دخلت خفية القاعة المظلمة، وبدأت أتحسس رأس سكين المنفى التي سأتركها بعد قليل تنزلق من الجهة اليسرى للبطن إلى أقصى اليمين.
أيها الغالي، حبيبي، أعذرني، لقد يتّمتك وأنت صغير. لا تكثر الدق، فقد خرجت بعد أن رددت على مسامع القوم الهادئين ترتيلة الموت، ورميت كل المفاتيح في البحر الميت حتى أنساك دفعة واحدة. عندما نعشق بكلنا نصبح قاب قوسين أو أدنى من الجنون أو من الكراهية. الكراهية التي تأكل شيء حتى نفسها، كالنار.
أنا لا أريد أن أكره أحدا.
أنت لم تقل لي ولكني أشعر بك من عينيك تتساءل عن هذه المرأة التي تصر على أن تبقى طفلة ملتصقة بك. السن هو ما نشعر به في الأعماق وليست السنوات الزمنية، ومع ذلك كم أتمنى لو كنتَ أكبر بقليل من سنك لقلتُ أشياء أخرى لم تسعفني اللحظة المسروقة لأقولها لك كما اشتهيت أن أفعل.
- ألا يمكنك أن تكبر قليلا؟ كم تلزمك من المسافات لتدرك أنّ شوقي لك صار مثل اليتم، أعيشه وحيدة في قربك وفي بعدك، وأنت تتلذذ بعينيك فقط، أو وأنت تعيش خلوتك بمزيد من القسوة والألم؟ هل تستحق حياتنا كل هذه الأحزان وهذا التمادي في الألم؟ ألا يكفينا هذا الموت الذي يطحن كل حميمياتنا وخلواتنا المنكسرة؟
أعترف لك اليوم أيها الغالي بصحة قولك الذي يغتال ذاكرتي كلما اشتهيت أن أنساك: إذا بقيتِ على هذه السيرة ستضطرين إلى الموت وحيدة. و من قال لك أني أريد أن أموت بين أناس يشتهون إيصالي إلى أي قبر قريب وأنا حية؟ لقد مات هؤلاء الناس منذ زمن بعيد وشغلهم الوحيد أن يلحقوا بهم كل الأحياء مثل زمر النِّحل التي بدأت تتكاثر في البلاد. والدي، هُمْ من دفع به نحو الموت صمتا، ثم سبقونا إلى الأرصفة والمقابر والطرقات وذرفوا دموعا كثيرة.
ها أنا ذي اليوم، وللمرة الأخيرة، أستدرج القدر ليصنع معي نهاية أشتهيها، لا كما فصّلها لي الآخرون. نهاية أنحتها بأظافري وأغزلها بأصابعي. الموت هو الحالة الاستثنائية التي نمارسها وحيدين، ونعبر دهاليزها بدون رفقة. هل تعلم بأن الهنود الحمر كانوا يدركون قسوة الرحلة ولهذا اخترعوا لعبة مرافقة المحب بالانتحار المقدس. بلادنا المنسية صارت تنجب هنودها. أبي كان هنديا أحمر في انتحاره. ليس أبعد من البارحة، فوجئت بخبر وفاة فنان شعبي شاب أطفأ شمعته مبكرا في إحدى الطرقات السريعة وانسحب. المدهش في حالته ليس موته، فالحوادث المشابهة تقع آلاف المرات يوميا، ولكن ملابسات موت صديقه هي التي استوقفتني. عندما وصله الخبر لم يكلم أحدا. لم يبك. لم يعو بأعلى صوته كالذئب المجروح كما فعلت أنا في لحظة القسوة واليأس عندما خسرت والدي الذي لم أرث منه إلا خيباته وكمانه. صعد إلى شرفة الطابق الرابع المطلة على الغابة البعيدة والبحر المنسي الذي يختبئ كالسارق وراء الأشجار، ثم رمى بنفسه ليلحق بالفنان الشعبي قبل أن يتخطى هذا الأخير عتبات البرزخ. يبدو لي أننا شعب يرفض الحلول الوسطى، عندما يحب يتماهى في الآخر، وعندما يكره يأكل نفسه قبل أن يأكل غيره.
و ها أنا ذي قد بدأت آكل نفسي أو ما تبقى منها.
أفتح عيني على الطفل الذي فيّ، لماذا تتسمر هكذا؟ أما آن لك أيها الطيب أن تعبر؟ ألم تدرك بعد أن كل شيء انتهى؟ فالمرأة التي عشقتها عمرا لم تكن معك طوال هذا الوقت الميت، فقد عادت لتموت في سرها الأول الذي لعنته مرارا، سر التيه والجنون؟ الريح التي قادتها إليك كانت ساخنة، والأمطار التي شهدت موعدكما الأول كانت طيفا من حنين. تتساءل الآن في قفر هذه الذاكرة، ألم يكن اليوم الذي التقيتما فيه مجرد صدفة تم تضخيمها حتى صارت حبا؟ ألم تكن تداوي بك جرح الجنون الذي اغتال جسدها؟
يا يوسفي الصغير، هذه المرة كذلك لم يحالفك حظ الصواب معي. أنت مع امرأة الشطط، لا شيء فيها يوحي أنها موجودة. مهبولة لا أحد سواك يعيرها انتباه الكائنات. الذي تبحث عنه فيّ أنت خلقته لترى فيه وجه من تحب أن ترى. لست أنا إلا ما فيك أنت. ستتعذب كثيرا مثل كل محبي المستحيل الذين يتعذبون لغياب ما تصنعه لهم الظروف وأوهامهم."
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى